للحروف أفئدة ومشاعر ،تثور فتنحل أجسامها التي براها الغضب ، تتسدد إلى الصدور مثل مدية أشد مضاء من الخناجر والسيوف طالما أنها ليحول بينها وبين الصميم درع أو ساتر أو جدار ، وتفرح فتمرح بحبور الأطفال وبراءة الضمائر ، يؤججها إشتياق فتنبت في الليل لها أجنحة وتطير ، لايردها يأس المسافات ولاعنت الحدود ولا أختلاف الزمن عن الزمن ، ولا يطفئ حرارتها برد قارس لشتاء مقيم ، ولايصهرها قيظ أو لهيب ، الحروف وحدها هي المسافة الفارقة كلها ، بين المعلن الجهير وبين الخفي المكنون على ساحاتها تراق الأسرار ، وعلى وقودها تشتعل نار النميمة والإغتياب وهي وحدها الفارق كله بين كل ما يكون وبين إنتفائه ، في الإبداع والنقد والعمل والتعامل والسياسة وإعلان الحروب ، للحروف ألوان شتى ، ولونها هو الشهادة بأخلاق المرء وضميره ، إذا تلونت الحروف لحظة خروجها وتشكلها بصرامة عادلة كحد السيف ، أو بميوعة خادعة ، إذا توسلت بالمداهنة كي تعلي الباطل على الحق ، وتنحاز للظالم بتودد رخيص ، أو غذا انتصرت للمظلوم باستبسال وشهامة ، عرفت صاحبها غثا أو نبيلا ، مع أنها في كل الأحوال هي نفس الحروف كتابة أو قراءة ، يا الله كم غيرت بعض الكتابات القصص والمسلسلات والقصائد الهابطة بهاء الحروف ولون الكلمات ، هل الحضارات كلها في أصلها ( عافية وسلامة في اللغة ) حولي تراكمت أكوام الحروف ، منذ نهاية مفاجئة لذلك الوقت حين كان التواصل بيني وبين قراء وزملاء واعتزازي بهم ليس له حد ، مشدودا على إمتداد المدى واتساعه ،يخرج إليه الحرف واهنا أو مجلجلا فيرتد على صداه محملا بالعتب أو التحية ، نبض في الحروف وحده علامة الحياة ، وحتى نهاية هذا الوقت الممض البغيض ، الذي كان قد ران فيه على الحروف صمت فرضته الظروف ، وصمت أزاح قسرا كل الفواصل بين الحياة والموت حتى انداحت في عتمته ومساواته الظالمة بينهما كل الحدود ، أكوام من الحروف ، بعضها تلوت خطوطه بالألم ، وبعضها اهترت أطراف بالقدم ، بعضها لايكف عن ضجيج التذمر والإحتجاج يأبى الا أن ينال حظه من التداول في رؤوس الآخرين ، وبعضها حزين ،حروف العلة كلها تلتف حول العنق كي تساوي في داخلي صمتها بصمتي ، وحروف التعليل تخلت عن واجبها في التبرير والإعتذار ، حروف كسيرة ، مهيضة الجناح ، بظلم لها ليس إزاءه تبرير ، وأخرى احتشدت حد الإمتلاء بالأمل والفرح للحظة قادمة ،يعود فيها التواصل إلى عهده الرائع الجميل ، فيصبح للكلام أجنحة تسافر بها إليكم وترتد إلي ، محملة في رحلتيها بكل مشاعر الإحترام والتقدير من كل أكوام الحروف الي تكدست حولي أصطفي لي ولكم فرح الحروف ، في كل الكلمات المجنحة ، علها تعيد ما بيننا إلى الجسر القديم صلابته .
ودمتم بخير