من طبائع النفس البشرية الضعيفة الكره والمحبة لذا قضت سنة الله في عباده أن الناس يكرهون من يؤنب ويوبخ في غير محل التأنيب ، ومن غير تأن ودون السؤال والإستفسار، وقد يكتشف بعدهما أن هناك اجتهادا صحيحا ، وهناك ظاهرة اجتماعية غير حسنة ، وهي أن بعض الناس يظن الصواب في أن يقابل من يعتبره مقصرا باللوم الشديد بقوله : لماذا لانراك ؟ طالت المدة ! وإذا اعتذر الشخص المعاتب فإن صاحبنا يستمر في اللوم والعتاب ، وينسى أن اللوم يمكن أن يوجه إليه أيضا ، وهذا يتأتى من شخص قد تدرب على مثل هذه الطريقة وهذا الرجل يفعل ذلك وهو يظن أن ذلك من حسن العلاقة على الرغم من أن هذه القضية ليست صحيحة في نفسها ، فمن طبيعة البشر أنهم يجتمعون ويتفرقون ، والود ليس بالضرورة مقصورا على من تكثر رؤيته ، وقد يضيق الإنسان بتكرار رؤية الذي لايحبه ، فقد تتكرر الرؤية لمن لاتحب وفي ذلك يقول الشاعر :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ** عدوا له ما من صداقته بد .
وقد يكون الأمر أخف إذا كان الذي يلوم أكبرسنا من الملازم ، أما إن كانا قرينين ، أو كان الذي يلوم هو الأصغر فتلك كبيرة ، ومن عواقب ذلك أن يخسر الشخص الناس فيتجنبوه ، ويبتعدوا عنه ، وهناك من يلوم بأسلوب لاذع ، فيكون أشد من ذلك كأن يقول : من كثرة طرقك للباب خرب ، أو خرب هاتفنا من كثرة سؤالك .
وفي القصة الأتية تجلية لذلك : " ذهب أبو عبيد بن سلام لأحمد بن حنبل فقال : يا أبا عبدالله ، لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم فقال : أحمد بن حنبل لاتقل هذا ، إن لي إخوانا لاألقاهم الا كل سنة مرة أنا أوثق بمودتهم ، ممن ألقى كل يوم "
ويفهم من هذا أن المودة ليس من معانيها أن نلتقي كل يوم ، وليس عدم اللقاء هو عدم المحبة ولو تفرغ الإنسان لزيارات الأصدقاء لما وجد وقتا لأداء واجبات أخرى مثل طلب العلم وتربية الأبناء .
ولقد أجرى مهندس سويسري دراسة على عدد كبير من العمال فوجد أن عددا كبيرا من هؤلاء يعتبرون أن النأنيب بدون ذنب أما الأصدقاء والأقرباء أصعب ما يلاقون من متاعب ، وهذه الأمور هامة جدا للذين يتعاملون مع البشر في أي مجال : مثل ( مجال الدعوة ، ومجال العمل ) ونستخلص من ذلك كله أن الناس يكرهون من يسترع في التوبيخ والتأنيب .
والله تعالى أعلم .