المناسبات والمواقف الشعرية والأدبية والنثرية المحملة برسائل متنوعة كثيرة من مجملها مناسبة فريدة تركت آثارها على المسلمين نتذكرها إلى يومنا هذا في حالة من الحزن مشوبا بالحنين وذلك عندما كانت الأندلس إحدى حواضر الإسلام ومنارا للعلم والمعرفة في المغرب الإسلامي ، منذ أن فتحها المسلمون في نهاية القرن الأول الهجري ، وظلت على هذه الحال ثمانية قرون إلى أن ضعفت قوة الدولة الإسلامية فيها ، وتكالبت عليها القوى الصليبية ، فصار وجود الحضارة الإسلامية فيها أثرا بعد عين ، مما أجج مشاعرالأدباء وأثار عواطف الشعراء فنظموا في ذلك أروع المراثي الشعرية والنثرية ، ومن أشهر هذه المراثي نونية أبي البقاء الرندي الطويلة نقتطف منها :
لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلايغر بطيب العيش إنسان
دهى الجزيرة أمرلاعزاء له *** هوى له أحد وانهد ثهلان
أعندكم نبأ عن أهل أندلس *** فقد مضى بحديث القوم ركبان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية *** وأين شاطبة أم أين جيان ؟
وأين قرطبة دار العلوم فكم *** من عالم قد سما فيها له شان .
وأين حمص وما تحويه من نزه *** ونهرها العذب فياض وملآن
تبكي الحنيفية البضاء من أسف *** كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية *** قد أقفرت ولها بالكفر عمران .
المناسبة الثانية : رايت أن أضيف لها شاعر فذ ملىء الدنيا وشغل الناس واسمه (أحمد بن الحسين ) ويلقب بأبي الطيب المتنبي أوتي الحكمة وفصاحة في القول ، وقوة شاعرية ، منقطعة النظير مما كثر من حساده ، وكان من غرائبه أنه أنه كان يفتخر أمام ممدوحيه ببراعة شعره وسحر بيانه ومن ذلك أنه قال وهو يمدح القاضي أبي الفضل أحمد بن عبدالله الحسين الأنطاكي :
لاتجرا الفصحاء تنشد ههنا ** بيتا ولكني الهزبر الباسل.
مانال أهل الجاهلية كلهم ** شعري ولا سمعت بسحري بابل
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي الشهادة لي بأني كامل .
ومن ذكاء المتنبي وقوة شعره أنه أحيانا يمدح شخصا ويريد نفسه وهذا مالم يفعله شاعر قبله ولابعده ، وقد أقام لدى سيف الدولة الحمداني يمدحه حتى تركه لكثرة المتملقين والحساد حوله وأثار الذهاب إلى مصر حيث ملكها صاحب البشرة السمراء فأخذ في إطرائه ومديحه ونال منه الأعطيات الا أن هذا ليس تطلعات ولا أمنيات شاعرنا حيث ذهب إلى أبعد من ذلك راجيا أن يتقلد وزارة إلى أن طال به المقام ولم ينل مايصبو إليه واصطدم بتجاهل تام من كافور الإخشيدي فرتكه غاضبا مما جعله ينشد قصيدة في هجائه قال فيها :
لاتشتري العبد الا والعصا معه *** إن العبيد لأنجاس مناكيد .
الأمر الذي أشعر كافور بالإهانة فسارع بالإرسال في طلبه وأسند المهمة لمجموعة من رعاع جنده فذهبوا في أثره وعند منتصف طريقه قاصدا الكوفة عراضه ثلة من قطاع الطرق وكان معه ابنه ورفيق له فتمت المواجهة بينهم فلما شدوا عليهم هم بالفرار فذكروا له أبياتا قد قالها ومنها :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ** وأسمعت كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فرجع وقاتل حتى قتل .
هذا ماجادت به قريحتي وأسعفني به قلمي ، لكن صاحبنا يستحق أوإستحق بل كتبت فيه أمهات الكتب التي تزدان وتتزاحم بها أرفف المكتبات لجودة شعره وندرته .
الرئيسية 
