لابد للمحب إذا حرم الوصل من التنوع والتعلق بما يجد فقد يرى المحب الولهان العاشق في الزيارة متنفسا من الحرمان متعللا للنفس حاملا شعلة للرجا وتجديدا للمنى وبعض الراحة والتعلق بأمل من الآمال بما يتبعه من فرصة للحصول على النظرة العجلى والخاطفة إلى المحبوب وفي ذلك يقول : ابن حزم رحمه الله تعالى
فإن تنأ عني الوصال فإنني .... سأرضى بلحظ العين إن لم يكن وصل
فحسبي أن ألقاك في اليوم مرة ..... وما كنت أرضى اضعف منك قبل
ويقول الهذلي في ذات الشأن حين يذكر محبوبته
وإني لتعروني لذكراك هزة ...... كما انتفض العصفور بلله القطر
وقليل الحب من الحبيب لا يقال له قليل كما ذكر ابن أبي حجلة المتوفى سنة 776ه في ديوانه الصبابة وهذا نوع من الرضا من المحبوب المعذب بأيسر مطلوب ، ومن خلال إستعراضنا لأنين وشكوى المحبين قديما وحديثا نجد كثيرا من الشعراء يعبرون عن رضاهم وقناعتهم التامة بتبادل حديث قصير وسريع مع المحبوب ، وعدا بعضهم أمورا تنفس عن المحبوب كأن يسر ويرضى ببعض آلات محبوبته ، ومما يعلل العاشق ويسليه وهو ما يعده البعض شكلا من أشكال جنون الحب أن يرضى المحب بمزار الطيف ، وتسليم الخيال أو أن يقول العاشق لمحبوبه (عدني واكذب ) وقد صور ابن حزم هذا الوعد الكاذب باللقاء في كتابه طوق الحمامة بمثابة البرق الخلب الذي يحي بعض الأمل لكنه لايسقي ولا يغيث أرضا .قائلا
إن كان وصلك ليس فيه مطمع ....... والقرب ممنوع فعدني واكذب
فعسى التعلل بالتقائك ممسك ....... لحياة قلب بالصدود معذب
فقد يسلي المجدبين إذا رأوا ..... في الأفق يلمع ضوء برق خلب
وبمراجعة ما مر بنا نلحظ أن القناعة لدى الجميع في هذا الجانب قناعة لاتصدر عن إرتواء واكتفاء ذاتي بقدر ماهي قناعة اضطرارية فرضها المحبوب أو فرضتها الظروف التي أرغمت العاشق على أن يرى قليل الحبيب كثيرا لذا نقول لمن هذا حاله أن يرحم هذا المسكين المعذب ويرفق بحاله لأن الحب عذاب وألم ولذة .
عسى أن أكون قد وفقت في إسعادكم وللحديث صلة إن شاء الله .