بيد أن هذا الهرب الجماعي للرومانسيين من واقع حياتهم إلى مفردات الطبيعة ، لم يكن هروب الغائبين عن تفاصيل حياتهم ، بقدر ماكان هروب أنفس منسحقة تحت ضغوط عالم كان يئن تحت وقع القنابل التي تتناثر في سمائه موزعة بالتساوي على أقطار الأرض التي كانت ترميها الطائرات المقاتلة بوابل من القنابل والصواريخ ، انتهت بمأساة سقوط القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في أحد أكثر سيناريوهات الحرب العالمية رعبا للجنس البشري ، لقد آثر الرومانسيون إذا أن يبكوا بكاء محضا غير معلن الأسباب ، لكنه معلومها ، كان بكاءهم كبكاء ذلك الطفل الغاضب الذي يعاني مخاوف جمة يستطيع إستجلاءها في جميع الوجوه المحيطة به ، وجوه متجهمة صريحة العداء ، وأخرى باسمة تخفي سوء نواياها ، واللافت هنا أنه من بين جميع المعاجم الشعرية التي ارتبطت بالشعر العربي على إمتداد مدارسه منذ العصر الجاهلي حتى اليوم ، كان المعجم الرومانسي الأقدر على الإلتصاق بالوجدان الجمعي العام للمتلقي العربي على إختلاف فئاته وثقافاته ، حتى إن الشعر على لسان العوام أصبح معادلا موضوعيا للرومانسية ، والشاعر في الوجدان العام لدى الناس شخص رومانسي مرهف الإحساس هكذا يقولونها دون دراية بالمعنى الإصطلاحي للكلمة أيضا يغلب على جميع تجارب الشعراء المبتدئين وخواطرهم الحس الرومانسي ، إلى أن يسقط أحدهم في يد طائفة أدبية ما فتقنعه بأن عليه أن يخلع عنه تهمة الرومانسية سريعا ، وإن كانت تجربة رائعة ، وكأن الفطرة في الناس هي الرومانسية ، وأصحاب المدارس الأدبية يوقعونه أو يحدثونه أو ينثرونه ، لم تكن تلك دعوة لعودة الرومانسية بقدر ماهي دعوة موجهة إلى نقاد الأدب لإعادة النظر في تلك المدرسة الظاهرة التي نجحت في بضع سنين في صياغة الوجدان العربي العام وتشكيله على يدها على نحو لايوازي أبدا عمر هذه المدرسة القصير .وبهذا ترى هذه المدرسة أن الوجود جميل والحياة والتكيف معها أجمل . ( كن جميلا ترى الوجود جميلا ) يصاحبهما الأمل والتفاؤل .