كان فجرا حقيقيا بمعنى والصورة ذلك الذي أتى به الرومانسيون الذين فضلوا الهرب من سطوة العقل الذي على ما يبدو أرهقه التفكير الطويل العميق في الحروب ، ومعاناة الناس ، فهرع هؤلاء إلى الطبيعة يبثونها أحزانهم تحت أشجارها الوارفة ، وأمام مشاهد غروبها ، مسلمين جباههم لهبوب رياحها ، وأمطار غيمها الكثيف ، لقد تخلص الرومانسيون من هيمنة العقل تماما ، ورضوا سلطان العاطفة والشعور في رحلة وجدانية ارتادوا فيها بأشعارهم فضاءات الكون بأنفس حائرة ضائعة مثل غيمات متفرقة في مهب ريح تزجيها في مدى غسق أحمر مؤذن بغروب غير منته عاشه هؤلاء ، مستعذبين آلامه ، متوشحين أماسيه الطويلة المظلمة ، يائسين من إصباحاته ، متوحدين مع صخور شواطئه التي يجلدها الموج صباح مساء ، فلطالما تغنى الرومانسيون بالألم وهربوا من تفاصيل الحياة ، وغابوا عن جميع التفاصيل التي يمكن أن تجر أرجلهم إلى اليومي والمعاش ، فلم يكن أمامهم من سبيل إلا أن يتماهوا مع الطبيعة ، يبثونها لواعج نفوسهم الغارقة في الحزن لكن ليست كل مشاهد الطبيعة تستهوي الرومانسيون ، أو بمعنى آخر تتوافق مع ميولهم ، فالخريف لديهم مقدم على سائر الفصول ، لأنه يجسد وقع الكون المؤلم على نفوسهم بما يخلفه من تجرد للغصون من أوراقها وعصف للريح ، وذبول وتحلل وفناء .
وهم من الأوقات يفضلون الليل لأنه يبتلع الموجودات ، وتختفي خلف ستاره تفاصيل الحياة التي لايرغب الرومانسيون في ملامستها ، كما أن الليل هو الأفضل للخلوات وأحاديث النفس ، فضلا عن لونه الأسود المفضل لدى الرومانسيين ، أيضا تجد أرواحهم ضالتها وسط مناظر العواصف وأمواج البحر التي تتلاطم كما تتلاطم أفكارهم ومشاعرهم ، لقد خرج الرومانسيون إذا من واقعهم بمعنى الكلمة ، فكان حضورهم بالأجساد فقط ،أما أرواحهم فكانت تحلق بين فضاءات الكون وموجوداته ، حتى إنعكس ذلك على الصورة عندهم التي استمدت معجمها من الطبيعة ، فضلا عن أشعارهم جاءت في مجملها صورا خالصة ، في ظل غياب التفاصيل ، والتكريس لفعل واحد هو التماهي مع عناصر الطبيعة .[/size][/color]